2009/07/13

الإجازة الصيفية وتربية الأبناء

نحن نستقبل الإجازة الصيفية ذات الأثر العميق على أحوال وأخلاق أبنائنا جميعاً، فأدعوكم إلى التفكير جيداً في هذه القضية، وأهم ما يواجهه أبناؤنا تربوياً في هذه الأيام، ويشتد الأمر في وقت الإجازة ما يلي:
أولاً: البث المباشر الذي غزا كثيراً من البيوت، وهذا البث المباشر نوعان:
النوع الأول منه: تلفزيوني؛ حيث تنوعت المحطات العالمية الموجهة إلينا، وهي: محطات -بسبب قدراتها وبسبب دعمها- مختلفة التخصصات، منها: الفنية، والرياضية، بل والإباحية الخالصة، والتنصيرية، والمحطات الجادة -إن وجدت- لا تخلو من فواصل دعائية تحمل في طياتها ما عند الغرب من إباحية وأخلاق فاسدة، وهذا البث المباشر له أثر غائر وعميق على بيوتنا وأسرنا، وكم من فتى أو فتاة تحول منهج حياته الخلقي بسبب سهرة في ليلة واحدة على هذه المحطات.
النوع الثاني من البث المباشر: الإذاعي، فهناك محطات تنصيرية خالصة موجهة إلينا بشكل واضح وقوي، وتبث على مدار الساعات، وهناك محطات أخرى تجلب كل ما أنتجه العالم العربي والغربي من أقصاه إلى أقصاه من أغانٍ ماجنات، ومسلسلات مغرية؛ بحيث أدت إلى أن يتجه كثير من الناس إليها تاركين لغيرها.
ثانياً: مما يواجه أبناؤنا وتواجه أسرنا المجلات والصحف، وهذه لا جديد فيها؛ لأنها من زمن قديم، ولكن الجديد ما يظهر كل يوم مما يتفنن فيه أصحابها بالإغراء، وطرق القضايا الحساسة من نواحي الخلق والعلاقات بين الرجل والمرأة والقضايا الأخرى.
ثالثاً: الأصحاب والزملاء: وهؤلاء لهم أثر كبير جداً على أولادنا، ونحن نعلم أن الإنسان مدني بطبعه يحب الاختلاط، وشبابنا يحبون الاختلاط، وليس هناك بد من هذا الاختلاط .
والزمالة والصداقة على نوعين لابد أن تنتهي إليهما: إما صداقة طيبة تثمر ثماراً خيرة، وإما على الضد والعكس من ذلك تثمر مالا يحمد عقباه، ولما كان الأمر كذلك كان دور هؤلاء الأصحاب والزملاء في حياة أبنائنا كبيراً جداً.
رابعاً: السياحة، وخاصة السياحة الخارجية في فترة الصيف، ويتولى البث المباشر والمجلات والصحف الدعاية المغرية لذلك.

وأمام هذه المؤثرات التربوية على أبنائنا ما هو الحل؟ هل نستسلم للأمر الواقع ونقول: أعداؤنا غزونا فماذا نصنع بهم؟ ألسنا مأمورين شرعاً باتخاذ الأسباب؟
إن شبابنا والحمد لله لا يزال يحتفظ بقدر كبير من الفطرة السليمة واليقظة الإيمانية متى ما حرك ذلك الشعور الإيماني، ووسائل التربية الذاتية في البيت والمسجد والمدرسة وغيرها حين تكون صالحة ومركزة وحين تستوي على سوقها؛ تؤدي -بمعونة من الله- إلى أنواع من الحصانة التي تجعل الشباب المسلم يتعالى بإيمانه، ودينه، وخلقه الإسلامي عن هذه الدناءات.
وسأضرب لكم مثالاً على هذا الذي أقوله: كم من شاب ذهب سابقاً للدراسة في بلاد الغرب، وما دفعه إلى ذلك إلا حب الحرية، والاستمتاع هناك بكل أنواع اللهو والفساد، وكثيراً ما كان هذا الشاب يكلم زملاءه، ويتحدث معهم قبل سفره عما سيواجه هناك، وما سيلاقيه ويتمتع به من لهو وعبث، وفعلاً يذهب الشاب إلى هناك؛ حيث لا رقيب ولا حسيب من أهل أو نظام يمنع من ذلك، بل إن نظام تلك البلدان يحمي ذلك. ويعيش فترة طويلة أو قصيرة يرى فيها بأم عينية بلاد الحرية، ويتمتع إن أراد بما شاء دون أن يحاسبه أحد، ولكن الذي يحدث أحياناً، بل يحدث كثيراً والحمد لله، أن هذا الشاب سرعان ما يستيقظ عنده إيمانه وعقيدته؛ فيرجع إلى ربه رجوعاً صحيحاً، ويعود إلى بلاده أصلب وأقوى إيماناً، بل يعود إلى بلاده داعية إلى الله تبارك وتعالى!
فهذه نماذج شاهدتموها جميعاً، ونحن نقول بالنسبة لما نشكوه من مشكلات البث المباشر ونحوه: حين نربي أولادنا على المنهج الصحيح، هل سيتعامل معها أبناؤنا كما تعامل بعض الشباب الذين عاشوا في بلاد الحرية؟ إن هذا البث المباشر يجب الوقوف دونه عملياً ونظرياً، والذي أقوله هنا هو توجيه لنا نحن الأسر .. نحن الآباء، بحيث لا نستسلم للأمر الواقع، ولا ندع الأمور تسير كما يراد لها.
علينا أن نصنع شيئاً تجاه هذا الغزو الخلقي والعقدي لأولادنا، فنعمل ونجد ونجتهد في تربية أولادنا، وإيقاظ إيمانهم، وتوجيههم التوجيه السليم؛ وهذا سيتحول -بإذن الله تبارك وتعالى- إلى رد فعل قوي جداً، يجعل الشاب يكون أكثر تمسكاً بإيمانه وصلتاً بربه.
وهناك أمور أخرى أحب أن أشير إليها في هذه المناسبة، وهي ذات أثر تربوي منها:
أولاً: التوجيه والتربية المبكرة لأولادنا؛ حتى ينشئوا على الإيمان والخلق، ويجب أن يكون هذا الاهتمام منذ الصغر، وأن يستمر إلى ما بعد ذلك، وهذه المسئولية يتحملها بشكل كبير البيت.
ثانياً: الدروس العلمية المتنوعة، وهذه لها أثرها وأهميتها التي لا تخفى، ولعل كون هذه الدروس ليست إلزامية، إضافة إلى أنه لا حوافز لها مادية مباشرة؛ لعل هذا يجعل حضور الإخلاص وطلب العلم لوجه الله تعالى أقوى وأكبر نفعاً.
ثالثاً: الاشتراك في الأنشطة المتنوعة الموثوقة، التي توجه التوجيه الطيب، ومنها: حلق تحفيظ القرآن الكريم، والمراكز الصيفية، والجولات الدعوية، والأنشطة الأسرية التي يرتبها الأب مع أولاده من خلال أسفار العمرة أو غيرها، والمهم أن الأب يرتب هذه الرحلة؛ ليستفيد منها جميع أفراد الأسرة.
رابعاً: الزواج المبكر لأولادنا ذكوراً وإناثاً، وهذه وسيلة شرعية عظيمة تجنب أولادنا -بإذن الله- مزالق عديدة، ولقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشباب قائلاً: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج).
والزواج المبكر له آثار تربوية خاصة، لعل من أهمها: إكمال نصف الدين، وأرجو أن تفكروا في هذا ومدلوله في حياة الفتى أو الفتاة خلقاً وسلوكاً، كيف يتم إكمال نصف الدين؟ من خلال الزواج؛ لأن الزواج يقطع شروراً وآفات وأفكاراً ومنحدرات في حياة الإنسان لا يعلم مداها إلا الله تعالى، وحين يتم هذا الزواج تقطع هذه الوسائل ليتجه الإنسان اتجاهاً جديداً. ومن آثاره: التعود على تحمل المسئولية، وهذا يؤدي إلى التخلي عن كثير من الأمور التي كان يفكر فيها ويفتح فيها خياله، فإنه مع الزواج ينتقل إلى واقع عملي يواجه فيه عدد من المسئوليات اليومية التي لا تنتهي، ومع مجيء الأولاد تكون المسئولية والإحساس الأبوي قد جعلت هذا الأب الجديد -ولو كان صغيراً- يتحول إلى معلم ومربي وموجه، مهما حاول التخلي عن ذلك.
ومن آثاره أيضاً: نقل الشباب والفتيات من أصدقاء ومحاضن كانوا عليها سابقاً إلى أجواء جديدة، وحين يكون الاختيار في الزواج على أساس من الشرط الشرعي (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، (وإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)؛ حين يكون ذلك تتحول هذه المحاضن إلى محاضن تربوية عظيمة، ولكن المهم هو تسهيل أمر الزواج، حتى لا يتحول -كما هو الحال- إلى عقبة كبرى لا يجتازها إلا القلائل، وهذا مما ينبغي أن يتنبه له الجميع، وأن يطبقوه عملياً.

هذه لمحات وإشارات تتعلق بهذه المسألة التي تحدثنا عنها من خلال ما سنقبل عليه من الإجازة الصيفية، وما فيها من عقبات وعقبات، تتعلق بأخلاق أولادنا وتوجهاتهم، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه الشباب إلى أمور ربما نشير إليها في مناسبة لاحقة، ونعرض بنماذج منها حتى نستفيد منها تربوياً.
اللهم! إنا نسألك أن تصلح أولادنا، اللهم! أصلح أولادنا ذكوراً وإناثاً، اللهم! جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم! إنا نسألك أن ترزقنا وإياهم الإيمان، اللهم! إنا نسألك أن ترزقنا وإياهم الإيمان والخلق الفاضل، اللهم! طهر بيوتنا من كل رجس ودنس يا رب العالمين!.
بقلم الشيخ / عبدالرحمن المحمود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق